Flickr Images

Product :

Popular Posts

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

تلميذ اسمه عباس

بقلم الدكتور/ محمد منصور 

وأنا في الثانوية العامة كنت طالباً مجتهداً ومتفوقاً على كثير من أقراني ومع ذلك كانت لي علاقات صداقة متينة ببعض زملائي المتعثرين دراسياً في صفي وأغلبهم كانت تجمعني بهم إلى جانب زمالة الدراسة، صداقة الجوار في السكن والاشتراك في اللعب أثناء أوقات الفراغ، وهي صداقة دفعني إليها تعاطفي مع أحوالهم الدراسية المتردية من ناحيتي ورغبتهم في أن يتقربوا من تلميذ شاطر يساعدهم في فهم ما لايفهمونه وما أكثره من ناحيتهم، وكان يرضي غروري في ذلك الزمن البعيد أن يلتف حولي بعض الزملاء المتعثرين دراسياً وأنا أحل لهم مسألة صعبة في الفيزياء أو الرياضيات وسط عبارات استحسانهم وإعجابهم وكأنني ساحر يخرج من قبعته الأرانب، إلى جانب توبيخ الأهل لهم كلما رأوني بصحبتهم باعتباري زميلهم «الفالح» الذي ينبغي عليهم الإقتداء به، وكان يزيد اعتزازي بنفسي وشعوري بذاتي كلما ألح الأهل علي في أن «آخذ بالي منهم» وكأنني مدير المدرسة لا مجرد تلميذ فيها..

من بين هؤلاء الزملاء لا أنسى قصة «عباس» وحكايته في امتحانات آخر العام وهي الامتحانات التي تحدد مستقبل الطالب المصري للأبد، ويتم الاستعداد لها على مدار العام كله وأحياناً يبدأ الاستعداد من العام الذي يسبقه.

وبالرغم من أن عباساً ذاك كان من ضمن أصدقائي المتعثرين إلا أنه كان يطمع في دخول الجامعة، وكان لديه يقين لا أدري مأتاه أنه سيجتاز امتحانات الثانوية العامة بمجموع يذهب به إلى كلية الزراعة في أسوإ الأحوال.

على أن الرياح لا تجري دائماً بما تشتهي السفن فقد حدث أن امتحان الفيزياء النهائي كان شديد الصعوبة، حتى أن «عباس» لم يتمكن من فهم الأسئلة فضلاً عن أن يجيب عليها، وهكذا حين وجد نفسه وجهاً لوجه أمام ورقة الأسئلة وأيقن بالرسوب؛ قدح زناد فكره وقرر أمراً وراح ينفذه دون إبطاء متصوراً أنه سيجتاز المحنة بسلام.

أما الحل السحري الذي توصل إليه عباس فهو أن يستغل وقت الامتحان في كتابة رسالة رجاء واستعطاف للمصحح، ذكر فيها بأنه يتيم الأب وأنه تولى شؤون الأسرة بعد وفاة أبيه، وأن كفاحه وانشغاله في تدبير لقمة العيش له ولأخوته قد أنساه مذاكرة الفيزياء كما ينبغي لطالب بالثانوية العامة، وعلى هذا النحو مضى في كتابة رسالته التي أخذ يرجو المصحح في نهايتها أنه طامع في تفهمه وكرمه وانه لا يطلب منه أن يمنحه درجة عالية قد تثقل ضميره و تحمله إلى كلية الطب أو الهندسة وإنما يرجوه أن يمنحه درجة النجاح فقط وهي تكفيه وقتها لدخول كلية الزراعة!

وهكذا كتب الرسالة في كراسة الإجابة ووضع فيها من التوابل المثيرة للشفقة ماظن أن بإمكانه أن يؤثر على عاطفة المصحح، نقل الفقرات الهامة من رسالته إلى ظهر ورقة الأسئلة وخرج من اللجنة وهو مرتاح الضمير واثقاً من أن الدنيا «لسه بخير» وأن الناس الطيبين لم ينقرضوا بعد.

كنت أعلم أن امتحان الفيزياء كان صعباً خاصة وأنني شخصياً لم أكن موفقاً كما أحب في كل الأسئلة وبدأت أجهز نفسي للتعامل مع خيبة أمل عباس حين يقابلني خارج اللجنة وحشدت في رأسي عبارات المواساة والتشجيع فارغة المضمون في العادة وإن كان لها بعض التأثير في تخفيف الإحساس بالضياع عند البعض، بل لعلي فكرت وقتها أن أنصرف عائداً إلى البيت وأن أتحاشى مقابلة عباس وجماعته تماماً حتى يهدأ وتزول آثار صدمته، لكنني فوجئت به وقد خرج قبلي من اللجنة يقابلني بالأحضان وبابتسامة عريضة وسد علي الطريق وهو يشدني من يدي إلى ركن هاديء بعيداً عن بقية زملائنا وهو يقول :

- عايزك ضروري 

- خير 

- شوف دي 

ثم أخرج ورقة الأسئلة من جيبه ونشرها أمامي فتصورت أنه سيستشيرني في إجابة أستشكلت عليه ولم أجد بداً من مسايرته للنهاية، لكن حين وقعت عيناي على الكلام المكتوب اندهشت جداً فقد كانت رسالة بدأها بقوله «سيدي الفاضل الأستاذ المصحح... » جرت عيناي سريعاً بين السطور دون أن أقرأ شيئاً غير أنني تاكدت من أنها رسالة ولاعلاقة لها بالإجابات أو الأسئلة فقلت مستغرباً:

- ما هذا ياعباس؟ 

- زي ما أنت شايف .. جواب 

- أيوه عارف إنه جواب .. بس لمين؟

راح عباس يشرح فكرته وأنه استطاع أن يصور أوضاعه الأسرية بشكل مأساوي ترقق قلب الحجر على حد تعبيره، ثم أضاف أنه متأكد من أن حالته ستؤثر على نفسية المصحح، وأنه لم يطلب سوى درجة النجاح فقط لاغير.. لم أعرف حينها بماذا أرد عليه مع هذه الثقة التي تشع من عينيه وتعلقه المرضي بالأمل وتأكده من وقوع المصحح تحت تأثير كلماته، اعطيته الورقة واعتذرت له بأنني سأفكر في الأمر ثم أرد عليه فيما بعد لأنني على عجلة من أمري وانطلقت في طريقي مسرعاً وهو يسرع الخطى خلفي ويلوح بالورقة في الهواء صائحاً:

- أخدت بالك من أبويا ميت وباصرف على اخواتي؟

لم أرد فعاد يصيح خلفي:

- وأيه رأيك في أمي عيانة وهايجرالها حاجة لو سقطت؟!

أسرعت مبتعداً أكثر وهو يلاحقني بالعبارات المؤثرة من وجهة نظره، وظهرت النتيجة، ورسب عباس وأعاد السنة، لكنه كان كلما تذكر هذه الحادثة فيما بعد كان يهز رأسه متأسفاً ويقول:

- الناس اتنزعت الرحمة من قلوبها .. هو أيه اللي جرى للدنيا ؟





نَبضْ

بقلم/ إبراهيم محمد سالم

الثالثة صباحًا بتوقيت تكساس..

لا أستطيع النوم، ربما مللت إياه، كم أتمنى دفن رأسي داخل وسادتي كي أستريح، عيناي مرهقتان، وجهى شاحب وأناملي تُقشعر خشية من نفسى التى تحطمت عدة مرات بسببي، للمرة الأخيرة أود أن أتنفس بحرية..


(قبل شهر..)


اعتدت على الرحيل، الذهاب للاشئ، يرهقني البقاء أيًا كان، أؤمن بنفسى جدًّا وأعشق تفاصيل وحدتي الصامتة وكأنى تعهدت على الصراخ بداخلي، كنت دائمًا وحيدا، لدي بعض الأصدقاء المقربين ولكن معظم أوقاتي أقضيها بمفردى، كم أود إحتضان نفسي بقوة!، كما أرغب فى إحتواء قلبى المحطم، مُنذ رحيل أمى وأنا أشتاق لسماع اسمى «دلال» من المطبخ وأنا بداخل غرفتي، حتمًا لم يستطيع أحد أن يُناديني بصدقٍ وإخلاصٍ مثلما كانت تُخرج حروف اسمى من قلبها،.. ظللتُ على هذا الحال طيلة سبعة أشهر: كلامى قليل.. عقلى مُشتت.. حتى أنفاسي تأبى أن تخرج بإنتظام، اعتدتُ على ذلك ولكن مللتُ تفاصيلَ وحدتي البائسة- حتى رأيته كان يسير فى وقار وجاذبية خاصة.

نعم!! بمجرد تتبُع خطواته التي أخفقت قلبى إعتدل شيءٌ بداخلي، ماهذا، لقد عاد لينبض من جديد؟!

يا إلهى.. كم جميل هذا الشعور المستحوذ على كيانٍ ما بداخلك، لا تعلم لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟

يبدو أنه قادم نحوى.. اعتدلتُ في جلستي وأخرجت زفيري المُمتزج بهواء يأسي، وبمجرد إقترابه تزايدت نبضات قلبي وكأن ما بداخلي تعهدت ألا يحيى إلا بقُربِه، سحبَ مقعده في ثقة ثم إقترب نحوي في هدوء قائلًا:


- افتقدتُكِ كثيرًا يا فتاتى.. كيف لكِ أن تبتعدي ومازالت روحي بداخلك؟

لم أجيبه، ربما لأنني أخشى الفقدان مرةً أُخرى، ولكن تعهد عقلي على قلبي أن يقتل كل ما مررت به من فقدانه فتنهدت قائلة:

- لقد رحلت مرة، وأخشى فقدانك الأُخرى، لطالما عُدَّت وجلست فأنت بداخلكَ الكثير لتقوله.. 

تبسم قائلًا:

- اشتقتُ لكِ، كم كان صعب الفراق، لا تقلقي أنا بجانبك، عُدَّت نادمًا يا دلال، أخشى الرحيل مرةً أُخرى ..

لماذا لم أصدقه؟ لماذا أشعرُ بالنفاق؟ عيناه تتحدثا معه وكأنه يقُص عليّ ما بداخله فتلاحق عيناه بالحديث قائلة: لا تصدقيه إنه كاذب!! و

لكن كالعادة انتصر قلبي الحنون على عقلى المُذبذب، انتصر وكأنه يرغب دائمًا أن يكون ضحية الفراق، ضحية الكذب.. ضحية نفسي الباهتة.

مرت الأيام وعاد، لا أنكر أن ضربات قلبي انتظمت منذ أن جاء لي ورأيت ما بداخله، طيلة شهر على هذا الحال، أؤمن أن وجود من يتعمق قلبك.. جانبك مريح، ولكنني أشعر بشيءٍ ناقصٍ، كإصطناعه ذلك الحب أو ماشبه.. إبتسامته عجيبة، ينقصها الصدق! عيناه دائمًا تُحذراني منه، يخفق قلبى وأنا معه على غير عادتى سابقًا، يا حصرتي على نفسي لا بقربه سعيدة، ولا بغيابه أستطيع أن أصطنع حتى سعادتي، ربما كُتبَ على قلبي التعاسة غائبًا أم كان حاضرًا، تبًّا لك!!  لا أكرهك ولكن ينقص روحي وجدان طيفك الذي كان يؤنسني في وحدتي، ويتراقص قلبى معه أثناء بقائك جانبي، تمهلتُ قليلًا وتوقفت بعقلي لوهلة ناظرة حولي ولهذه المدينة الجميلة « تكساس» كم أعشق هذه المدينة التي إحتوت طفولتي وبرائتي ثم مزقت روحي إربًا بعد ذلك، لم يلتئم جرحي، ولن تعود روحي المُبعثرة سوى في هذا المكان الذي أجلس به وأقص عليكم ماحدث، هو خالٍ تمامًا، يمتلأ بالزهور والأشجار، الطيور المُحلقة أعلى رأسي تُشعرني بالدفئ لطالما أصدرت صوتها الرقيق.. أنا فى سلام، أجلس أمام نهر أخضر اللون وتلامس نسماته وجنتي، أكتب بقلم يعتليه ريشة تداعب قلبي كلما أخرجت الحروف المكبوتة بداخلي، أكتب ماحدث وما لم أتوقعه إطلاقًا... 

- تناثرت سطوري فى وحدةٍ مُبهمة، تشتت أحرُفي في ظِلٍ باهت، يغْمُر قلمي الخوف خشيةً من كلماتي، وتصيح الوحدة باسمى فى ثقة، لأنها تعلم أنني أعشقُها..


بعدما عاد ووثقت به مرةً أخري، كنا فى سلام طيلة شهر، أحببت بقائه واستسلمت، تمادى قلبي في تصدقيه، والآن أجلس في شرفة منزلي ليلًا كعادتي، أحتسي قهوتي اللذيذة التي ترسم بسمتي المطمئنة، إعتذرت لنفسي عمَّا قدمته من جحود وبهتان ثم إستنشقت هواءً خالٍ من سموم عقلي، ونثرت بيدي التي توارت خلف ظهري فى حيرة متسائلة أين هو؟

سمعت صوت هاتفه يدق، أيعقل؟! لقد تركه وذهب، بدون مقدمات ذهبت إلى الداخل مُجيبة على من يتصل، ولم أنطق حتى «ألوو» لأجد صوتٍ غليظ ينادي بإسمه قائلًا:

- ماذا فعلت في المهمة الأخيرة يا رجل، نحن في الإنتظار، طيلة شهر ننتظر، اقتل عشيقتك اليوم، الرئيس فى إنتظار دماءها.. 

ماذا؟! صُدمت لوهلة من الوقت، فتساقطت دموعي بغزارة على وجنتي التي إحمرت خوفًا وقهرًا.. شعرت بالدوار، زادت غزارة دموعي التي تساقطت أيضًا على صدري، أرتجف بشدة.. غير مصدقة، حتي إستجمعت قوتي وفتحت هاتفه، فوجدت صور لأعضاء البشر وأموات، أحشاء وقلوب بشرية وعيون! لا لا لا.. مستحيل، تساءلت بداخلي، من هذا الشخص، هذا ليس هو، وماذا يريد أن يفعل بدمائي.. أجل تذكرت!..

فى يوما من الأيام شعرت بالإرهاق والتعب وذهبنا سويًّا للطبيب وفى نتائج التحاليل تبين لنا أن فصيلة دمي نادرة للغاية، وسلالتي فى الأساس مزيج من سلالات الهنود الحمر والإسبان، ويستخدم دمي فى القضاء على مرض السُّل، وأحيانًا مرض السرطان عند حَقنه فى جزء معين في البطن، وحينها قال الطبيب أنّني سُلالة نادرة ويمكن أن يصبح لي دورًا هامًا فى المستقبل خُصُوصًا أنني أعمل طبيبة فى إحدى المستشفيات الشهيرة بنيويورك، وفترة عُطلتي أقضيها معه! لا أصدق نفسي، تاجر أعضاء ويعمل مع عصابة لديها رئيس، ماذا عن شركات الإستثمار التى يُحدثُني عنها، ونجاحته وإنجازاته، ربما أحلم، صرختُ ضاربة بيدي على وجهي: -استيقظي أيتها البلهاء.. استيقظي!

ولكن دون جدوى، ربما كَتب عليّ الواقع أن أبقى حزينة وحتمًا سأعيشه وأتأقلم معه لامحال، تبًّا لسذاجتي،  إنتظرته حتى عاد، مُرتبكٌ على غير عادته، مُشتت لا يبتسم إبتسامته الكاذبة، تمهلت في نظراتي له حتى إقترب مني قائلًا:

- يجب أن نذهب سويًّا لمكان ما.. سينال إعجابك.

بثقة أجبته:

- دعنا نقضى ليلتنا في المنزل أنا متعبة..

أجبني بإرتباك: 

- كنت أرتب لهذا اليوم مُنذ شهر، هيا يا عزيزتي حتى لا نتأخر..


نهضتُ من مجلسي في هدوء ثم عانقته بقوة، بدفئ.. أود أن أشعر بأنفاسه تلامس كتفي.. ربما صادقًا وأنا جننت، ولكن دقات قلبه غير منتظمة.. يشعر بتوتر.. أنفاسه تتزايد، زفيره يخرج ببطئ.. علامات الأسي على وجه، لن أتردد كثيرًا، لأخرج به إلى الشرفه، وأقف ورائه فى ثبات وأطعنه بسكين عدة طعنات متتالية فى ظهره، إستدار بقوة غاضبًا، تتساقط دموعه ندمًا، تُغلق جفونه وتُفتح غير مصدقة، حتى بدأ يفقد وعيه تدْريجيًا.. لم أتردد مرة أخري لألقي به من الطابق السادس والخمسين مبتسمة بعدما سحبت السكين من ظهره وقت عناقي الأخير له والدماء تتساقط أرضًا، كنت أبكي بغزارة، تساقطت قطرات دموعي على بدلته الأنيقة، وهى آخر شيء من روحي يذهب به، يذهب به بلا عودة، ربما قطرات دموعي تغفر لك أيها الكاذب، وللمرة الثانية على التوالي فُطر قلبي، وإندثرت روحي بين المنطق واللامنطق، وتآخذت، ذهبت إلى فراشي في هدوء وألقيت جسدي عليه وأنا أضحك، تعالت أصوات ضحكاتي الممتزجة بالبكاء لأول مرة.


«لا أستطيع النوم، ربما مللت إياه، كم أتمنى دفن رأسى بداخل وسادتى كى أستريح، عيناي مرهقتان، وجهى شاحب وأناملى تقشعر خشية من نفسى التى تحطمت عدة مرات بسببي، للمرة الأخيرة أود أن أتنفس بحرية.. ».


تمت بحمد الله.






الدجاجة الزرقاء

 الدجاجة الزرقاء

بقلم  رشاد على محمود 



لا أدري لماذا تنتابني في بعض الأوقات بعض الأفكار العجيبة؛ هل هو خبل أم عته أم أنها عبقرية؛ لا لا ليس الأمر كذلك!! من المؤكد أنه خبل؛ هكذا حدثت نفسي؛ فأنا فعلًا وفي أوقات كثيرة تنتابني بعض الأفكار الغريبة وسؤال يلح عليَّ؛

بل لا يكتفي بالإلحاح؛ في الحقيقة هم مجموعة أسئلة وليس سؤال واحد وليس أكثر من أن خجلي من نفسي هو ما جعلني أقول أنه سؤال واحد؛ فأنا يوميًا تطاردني الأسئلة والتي ليس لها إجابة أو إجابتها قد تكون مؤلمة إن شئت الدقة؛

مثلًا هناك سؤال يكاد يحطم رأسي؛ هل يتلبس الشر بالخير؟ بمعنى أن يكون هناك فعل هو خير ويحوله أحدهم لشر إنها منطقة شائكة وانا لا أريد أن أقترب منها تمامًا مثل منطقة القادة المسلمون وبالقطع في مقدمتهم العرب والذين يتشبسون بمقاعهدم بطريقة عجيبة بل ومن الممكن أن يقدموا تنازلات على حساب أوطانهم مقابل أن يعطيهم الغرب حصانة لمقاعدهم أليسوا بذلك يسيئون لديننا الحنيف؟!


هل من الممكن التكوين النفسي لشخص ما وإن كان به خللًا يؤثر على مسيرة أمة؟ ولما لا ألم يتسبب أودلف هتلر في حرب قُتل فيها ما يقرب من ستين مليونًا من البشر؛ إذا ما هو السبب الذي يأتي باشخاص ليسوا مناسبين لأماكنهم؟ ؛

وخاصة في العالم الثالث؛ من المؤكد أنها ليست الديكتاتورية فقط؛ وإلا كيف يأتي أحد من تمسكوا بإمكانهم باختيار من يفوقه شراسة؟؛


أذكر مثلًا أن المسجد القريب من بيتنا وانا في سن المراهقة أردت أن أثبت لنفسي شيئًا مثل ذلك؛

فما يقوم به أحدهم ويبدو أنه أحد من تقاعدو من العمل ولا توجد لديه رقابة ذاتية؛ فليس جميعا يمتلك رقابة ذاتية ويكون محركها العقل أو الضمير من أجل ذلك وُجِدت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لتسيير الأعمال الدنيوية بشكل أكثر موضوعية وعقلانية؛ ونجده في البلاد والتي تتمتع بالحرية الحقيقية كلما صادفهم قانون لا يؤدي الهدف منه بالشكل المطلوب يتم تعديله؛


المهم أعود لما فعلته مع الرجل وكنت أعلم أنه يحب الحديث في ميكروفون المسجد كثيرًا وغالبا طوال الوقت مثلًا وأحيانًا يظل يختبر الميكرفون وهو يعمل؛

آلو آلو آلو أتنين أربعة ستة تمنية عشره؛ وأشياء كثيرة من هذا القبيل مثل رجاءًا التبرع؛ على الجميع التبرع وهكذا؛ فقررت أن أثبت لنفسي شيئًا ما؛ وهو أن المشكلة ليست في الميكرفون ولا في أي شيء آخر المشكلة هي في الرجل؛ فقد يكون إحساسه بالفراغ أو الملل أو حتى حب الظهور هو ما جعله يحول الخير إلى شر على الأقل من وجهة نظري؛ 

فجمعت مصروفي اليومي وذهبت إلى السوق وأشتريت دجاجة من السوق على أن أهديها لأمي بعد أداء المهمة؛ وبالفعل وبعد أن قمت بشراء الدجاجة قمت بدهان جزء منها باللون الأزرق؛

وذهبت للرجل وأخبرته بأنني وجدت هذه الدجاجة وهذه اوصافها وطبعًا لن نعلن عن الأوصاف بل على من يأتينا ويدعى بأنه صاحب الدجاجة هو من يعطينا الأوصاف؛

لمعت عينا الرجل وكأنه فرح بهذا الخبر ويبدو أنه قد عثر على ضالته وستتيح له الدجاجة والمفقودة من صاحبها؛ الجلوس بجوار قبضة الميكرفون والجميع سيتمكنون اليوم من سماع صوته؛

وما أن كدت أن أنصرف من عند الرجل؛ إلا وسمعت آلو آلوا أريد أن أخبر الجميع بأنه قدم تم العثور على دجاجة ومن فُقدت منه عليه أن يأتي بأوصافها؛ وهكذا ظل الرجل طوال اليوم على هذه الحالة وانا ابتسم؛ لعنة الله على المراهقة



حكم الأرذال

 حكم الأرذال

بقلم  محمد الباشا 

العراق 



عمي رجل ثري وقوي في كل شيء ، ذو علاقات تصل إلى هرم الدولة ، متنفذ متسلط ، اتصل بي بعد منتصف الليل ليسألني عن ابنه الذي هو رفيقي الدائم وصديقي المقرب ، فقال لي :

_ لقد تأخر ابني عن موعد رجوعه المعتاد ، وأني أخاف عليه من كبرياءه والعناد ، وأخاف ان يفقده عنفوانه وغروره السداد ، وأني أعلم إنك رفيقه في كل واد ، ألا تعرف أين سيكون في هذا السواد ، لقد بحثت عنه في كل البلاد ، ولم أجد لي من هاد .

سكت لحظات وتذكرت فقلت لعمي :

_ لقد كنا سويةً عصر هذا اليوم بقرب ذاك المحل ، فجاءت فتاة كلها جمال مغرورة بلا خجل ، فراح أبنك يرميها بكلام شغف وغزل ، حتى لحق بها إلى بيتها وعنها قد سأل ، ولما عند دارها وصل ، التفتت اليه وقالت له بلا وجل :

_ كنت أتمنى أن لا تتمادى وخلفي تسير ، لأنك ستنال عقاباً عسير ، وعندها لا ينفعك إن كان أبوك فقيراً أم وزير ، إن زعلي سيرمي بك إلى متاهة وسيكلفك الكثير ، وستدفع لعملك هذا الكثير الكثير ، أعلم يا هذا أنك لن يمسي عليك مساء إلا وأنت في حفير .

أخذت عمي في ذلك الليل البهيم ، إلى بيتها فراح عمي يضرب الباب ويصرخ بعنف ، خرجت امرأة كأنها في نهاية الأربعين من العمر ، فدفع الباب عمي ودخل وقال لها :

_ من أنت ومع من تلعبين ، ابني أريده منك وأنت به تعلمين ، وسألقنك أنت وتلك الفتاة العاهرة درساً وتتأدبين ، أنا رجل كل الدنيا لي تدين ، أنا أغنى أهل المدينة ولي جاه كبير وبه أستعين .

ضحكت وقالت لإحدى الفتيات التي عندها :

_ جاء الأب يبحث عن ضناه ، لكنه عصبي ويريد أن يعرف ابنه ما جناه ، وأين ولده وأين مصيره ومثواه ، فهل تريدين ان تقولي له ما حل بأبنه لأنه تعدى حدوده فساء منتهاه ؟

أجابت الفتاة وانا وعمي نتفرج على وقاحة الفتاة والمرأة :

_ عمتي ألا تعلمين أني زعلت منه ومن جنونه ، وابلغت حبيبي به وأخذه إلى سجونه ، ولن ارضى عنه إلا اذا أهله يفتدونه ، بذهب ومال أو يتركونه ، وعند ذاك حبيبي وأصحابه سيقتلونه .

هنا تغير لون وجه عمي وخرج وقال لي في الطريق :

_ ابن أخي أظننا سقطنا في فخ عصابة من الأشرار ، النساء من هذا النوع عندهن القرار ، وعلينا دفع ما يردن وإلا سيلحق بولدي الأضرار ، وبعد ذاك ربما يزيدوا علينا في الأسعار ، ولا ينفعنا عندها كل أصدقائنا من الأخيار .

في اليوم التالي جاءني عمي وقال :

_لنذهب إلى هذه المرأة وننهي الجدال ، لقد جلبت لها ذهباً وبعض الأموال ، لأننا الآن أمام أناس أنذال ، لا يحترمون أحد وليس عندهم شيء محال ، واظنها اذا أمرت الباقين سيخرج ابني في الحال ، لأن هذا هو أوان الأرذال .

بالفعل أعطيناها الذهب والمال وفي نفس الليلة جاء ابن عمي وعاد لبيته .



إغتيال العفة

 إغتِيالٌ العِفَة

بقلم   سَكِينَة حَسَنٌ الشَّرِيف 



خَمْرِيَّة اللَّوْن . . مكتحلة هَيَّا عيون  المهى . 

الْعَوْد مَشْدُود كعود  الزان. . . . 

تَلَبَّس خفين  مِنْ فِضَّةٍ مُرَصَّعٌ بِأَحْجَار كَرِيمَة . . . تَتَمَايَل بفستانها  الْحَرِير القرمزى اللون  كعود البان...

تتباعد  وتتناثر عَلَيْه طُيُور النورس وتتشابك  مَعَهَ  زُهُور الْخَوْخ . . . كَانَت تَرْقُص مغتالة

بَيْن أقرانها  ويشتعل جَسَدِهَا حيوية  وَأُنُوثَة ٠ 

يَتَزَيَّن مِعْصَمِهَا بأساور وَكَان أُنْبُوبَة ألوان  بِهَا اِنْدَلَعَت . . . . 

الْقَرْيَة بأعضائها الْبَيْضَاء الَبريئة تهرول مِن أجلها  مبعثرة أَفْرَاح فيِ أَرْجَائِهَا . . وَتُحْمَل لِلْعَرُوس فِى كَهْف أضلعها  حَبَّات لُؤْلُؤ مَنْثُور مِنْ الْحَبِّ . . 

كَبِرَت عروسها فِي رَبَّاهَا وَتَرَعْرَعَت فِيهَا أحلامها 

يَقْفِز مَاء الْبَحِيرَة لمحياها ويمتلئ بِالْحَيَاة 

نَضِجَت عروسنا وَأَصْبَحَت مُجْهِزَة لموسم الْقِطَاف . . . 

جَاءَ مِنْ يَقْطُف الثِّمَار الْغَضَّة حُلْوٌ الْمَتَاع والمزاق  . لَطِيفٌ الْمَحْيَا حُلْوٌ الْعَارِضَيْن 

وَاثِق الْخُطَى . . . . يَخُطّ للمحراث سِكَّة وَطَرِيق 

يَضْحَك الْفَأْس طَرَّى الصوت  بَيْنَ يَدَيْهِ . . 

ارْتَضَيْتُه الْعَرُوس رَفِيقًا وحبيبا  حانيا . . . 

اِرْتَدَيْت فُسْتَانَهَا الْأَبْيَض وتاجها الْمَزْرُوع بحديقة  زهور  فِى مَطْلَع الرَّبِيع 

وَهَا نَحْنُ رَأَيْنَا الفَارِس الريفي بصولجان خَيْلَه 

تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْعَوْد وَالنَّعْنَاع 

يَنْزِلُ مِنْ عَلَى صَهْوَة جوادة  سقوطا هادئا فِى صَدْرِ هَذَا الْمَكَانِ المضج بِأَصْوَات زغاريد  

عَلَى اسْتِحْيَاءً مِنْ نِسَاءِ تَخْفَى فِيهَا بِكُم حَيَائها

دخلت  بَيْتِهَا الْجَدِيد عَرُوسًا مرصعةبالذهب تَفُوح منها  رَائِحَة الزُّهُور والقرنفل  . . وزيل فستانها  يَتَمَايَل بَيْن أَخَوَاتِهَا وصديقاتها 

وتتدافع  النَّاسِ إلَى مُنْتَصَفِ الدَّائِرَة 

إستحرت الْعَرُوس زحام  الْخُطَى 

وَدَخَلَت بَيْتِهَا الْمُجَهَّز 

مَع وِدَاعَ مَنْ الْأَهْلِ بِأَصْوَات لَهُ شَكْلٌ عَنَاقِيد الْفَرَح  الحزين لفراقها وَأَصْوَات تبتز جِسْمٌ الشَّارِع مُنْتَظِرِين 

عَلَامَةُ طُهْرِهَا وعفافها 

وَبَعْد بُرْهَة وَإِذَا بالفارس يَتَحَوَّل لِحِمَار خشبى وَيَخْرُج للأهل  الْمُنْتَظِرِين بِشَغَف بَيْن أصابعه  كَلِمَات بِلَا لُغَة . . . يدحرجها بِصَمْت فَوْقَ جِدَارِ فَضَاء أَهْل الْعَرُوس الْمُنْتَظِرِين بِشَغَف . . 

مُطْلَقًا بسيخ رَصَاصَة فِى صَدْر أَخِيهَا 

أَن أُخْتَك الْحَسْنَاء عَوْد الزَّان خَمْرِيَّة اللَّوْن 

.......لَيْسَت عَذْرَاء.......

وَانْتَصَب الصَّمْت وَضَرَب سَّيْف العار رِقَاب الْخَلْق وطمثت أَصْوَات النساء  . . 

وبوق مِن الشَّائِعَات يُسْرَى كَالرِّيح الْمُرْتَدَّة تَحْمِل فِى طياتها رِيح العفن . . 

يَجْلِس أَخِيهَا الشَّابّ المتوعك القرفصاء عَلَى حَافَّةِ الْوَقْت . 

يطلق  سُيلا مِن الصرخات تَذْهَبُ بِهَا الرِّيَاح 

لِأذْن الْعَرُوس الخمرية  ليندس بَيْن نتوئات أَفْكَارِها وَهَى تَجْلِسُ عَلَى أرصفة خَوَّفَهَا المختبئ مَاذَا يُحْمَلُ لَهَا قَدْرِهَا . تٌطْلُق رَصَاصَة مهرولة فِى عُمْقُهَا فَتَرْتَدّ قتيلة  

وَإِذَا بِأُمِّهَا المكلومة الَّتِى زرعت  وَأنْبَتَت مِن ريها  وحصدت أَجْمَل عَرُوسٌ هَذَا الْكَوْن 

تتمالك وكلها ثقة بإبنتها ..

تَسْتَدْعِي طبيبا  من  فَوْرِهَا وَيَخْرُجُ مِنْ بِرِدَّتِه الْبَيْضَاء اللَّوْن بِرَأْئة  العروس  وَيَخْرُجُ مِنْ نَافِذَةٌ حَلْقِه كَلِمَات متحجرة  حَسْرَة وَالَم 

مُقِرًّا ببرائة الْعَرُوس ونظرات مَتَحَجِّرَةٌ يَرْمُق الْحِمَار الخشبى  وَالصَّدَأ المرشوش عَلَى عُتْبَةَ عَقْلُه . . 

طَال الصُّرَاخ وشدوا عَوِيل فُسْتَانَهَا الْأَبْيَض الْمِخْضَب بِدِمَاء عِفَّتِهَا . . 

أَلْقَى أَخِيهَا جِسْده جاثيا  تَحْتَ جِدَارٍ جُثَّتِهَا وغصنها الْمَكْسُور مُطْلَقًا رَصَاصَة الرَّحْمَة إِلَى رَأْسِهِ لِيَرْتَاح مِن نتوئات الْعَذَاب والحصرة 

جاء راحلا

 جَاءَ رَاحِلاً 



بَيْنَ مطرقة الْأَهْل وسندان الرَّغْبَة ، صَار أَخِي يَسْتَسْلِم شَيْئاً فَشَيْئاً إلَى صَرَخَات دَاخِلِة ، جَاءَنِي يَوْمْاً قَالَ : 

_ أَخِي الْكَبِير ، أُريدكَ أَن تُسَاعِدُنِي فِي التَّفْكِيرِ ، بُتُّ بِلَا أَطْفَال وَالْأَمْر عَلِيّ عَسِيرٌ ، تَعِبَت مِن دُرُوب الْأَطِبَّاء وعلاجهم الْكَثِير ، وأنهكني العرافين وَهُم يَفْرِشُون الطُّرُقَات بِالْحَرِير ، وَأَنَا وَزَوْجَتِي نَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَنَا وَلَدٌ صَغِيرٌ ، يَمْلَأ عَلَيْنَا الْبَيْتَ وَيَكُونُ لَنَا ظَهِير . 

احْتَرتُ بِمَاذَا أُجِيبُه فبادرته بِفِكْرِة : 

_ لِمَ لَا تتبنى وَلَدَاً مِنْ الْفُقَرَاءِ ، لِيَكُونَ لَك ولبيتك نُوراً وَضِيَاء ، وَيُكبُرُ بَيْنَ أحضانكما وَيَكُونُ مِنْ الصُّلَحَاءِ ، وَتَنْهَي جَدلًا طَال وَحَدِيثًا كُلُّه هُراء . 

فَاسْتَحْسَن الفِكْرَة فَذَهَبْتُ مَعَهُ لأقنع زَوْجَتِه بِالْأَمْر ، لِمَا وَصَّلْنَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : 

_ أَخِي الْكَبِير لَدَيْه فَكَرِة لينهي الْجَدَل ، عَلَى الْأَوْلَادِ فِي حَيَاتِنَا فَقَد أَصَابَنَا الْمِلَل ، ونهجر دَرْب الْأَطِبَّاء وَطَرِيق الدجل ، فَأَنَا لَيْسَ لِي بِغَيْرِك أَمَل ، وَلَا أُرِيدُ الزَّوَاج بِامْرَأَةٍ أُخْرَى وَيَكُون بَيْنَنَا عَتَّابٌ وزعل ، وَأَنَا مُتَمَسِّكٌ بِك حَبِيبَةً وَزَوْجِة لِيَوْم الْأَجَل . 

تَوَجَّهَت بِكَلَامِي لِزَوْجَة أَخِي لِكَي أقنعها : 

_ أَتَمَنَّى أَنْ يَنَالَ حياتكما الِاسْتِقْرَار ، وَإِن تبقيا سَوِياً وَإِن لايصيب حياتكما الانْهِيَار ، اِقْتَرَح عَلَيْكُمَا أَن تتبنيا وَلَداً مِنْ أُنَاسٍ أَخْيَار ، ليملأ عَلَيْكُمَا بِالْمَوَدَّة الدَّار ، فِكْرًا ملياً واتخذا الْقَرَار . 

تركتهما وَبَعْد فَتْرَة تبنيا طِفْلاً مِنْ أُنَاسٍ فُقَرَاء ، رَاحَت الْأَيَّام تَمْضِي مُسْرِعَة ، الْوَلَد صَارَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُمَا ، الْحَيَاة رَاحَت تَزْهُو ، الابْتِسَامَة بَدَأَت تَتَلأْلأ عَلَى شفاههما ، والابتسامة تفيض من وجهيهما ، حَتَّى جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، الطِّفْل كَانَ يَلْهُو فِي الشَّارِعِ جَاءَت سَيّارَة مُسْرِعَة قَتَلْته ، تَبَدَّد حلمهما فِي لَحْظَةِ ، اجْتَمَعْنَا لمواساتهم ، فَقَالَ أَخِي لِزَوْجَتِه وعيونه اِغْرَوْرَقَتْ بِالدَّمْعِ : 

_ لَقَدْ كَانَ لَنَا مسلياً لَكِنَّه جَاء راحلا ، تَأْمُر الدَّهْر مَرَّةً أُخْرَى فَكَانَ جَاهِلًا ، اغْتَصَب فرحتنا فسدد سَهْمًا قَاتِلا ، وَتَرَكْنَا عَقْلاً وَجَسَدًا نَاحِلاً . 

قُلْت لَهُ مواسياً وموعظا : 

_ إنَّ اللَّهَ يَهَبُ مَنْ يَشَاءُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُجْعَل بَعْضُنَا عَقِيما ، اعْتِرَاضُك عَلَى حُكْمِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَكِيما ، لَقَد كِدْت تَرْكَن لِأَهْل السُّوء وتهدم بَيْتِك تهديما ، لِأَنَّهُم رسموا لَكَ خَيْراً واهما ونعيما ، لَكِن اعْلَمْ يَا أَخِي لَنْ يُصِيبُنَا إلَّا ماكان اللَّهُ بِهِ عَلِيما ، قِف عِنْدَ هَذَا وَإِلَّا سَيَكُون لَك الْوَجَع نَدِيما .   

 

بقلم . . . مُحَمَّد الباشا

العراق 

طريق بلا عودة

 طريق بلا عودة

كتب محمد كامل حامد 



ً في ذلـك الوقـت مـن الليـل أقـف وحيـدا، خيـم الظـلام وخلـت كل الشـوارع مـن المارة، لا  أكاد أسـمع صـوت، يتسرب إلى عقـي الشـعور بخيبـة الأمـل، لا ألمح سـيارة تمر مـن هـذا الطريـق، أنتظـر المجهـول برجـاء، أفقـد الأمـل في العـودة إلى بيتـي.

ًانهيت عملي متأخرًا  تلـك الليلـة، لم أشـعر بمرور الوقـت، تحركـت من مكاني مندفعًا عابرًا الشــوارع الخاليــة، تنقلــت مــن مــكان إلى آخر لعلي أصل إلى ضالتي، فنقلتنـي سـيارة إلى بلدتي البعيـدة، وعنـد مفترق الطرق أضــاء كشــاف ســيارة مندفعــة في عينــي، شــعرت أن هــذه فرصتــي الوحيــدة في النجــاة، اندفعــت داخلهــا دون أن ألفــظ كلمـة، وانطلـق بي السـائق على الفـور، سـألني عـن وجهتـي فَصِمتُ، ِخشــيت أن يتركنــي وحيــدًا ويقذفنــي مــن ســيارته إلى هــذا الفضــاء المتسـع، نظـرت إليـه في قلـق، كـرر سـؤاله ثانيـة، التفـتُ إليـه فأصابنـي الهلــع عنــد رؤيتــه عــن كَثَــب، لحيتــه كثــة ووجهــه طويــل وعينــاه تبُوحان بالقسـوة والغـدر، أجبـت بعبـارات مقتضبـة وصـوت مختنـق، انطلــق في طريقــه مواصلًا الحديــث، أزعجنــي صوتــه الجهــوري، 

وارتجـف قلبـي مـن ملامحـه الغليظـة.

ْاحتوتنـي الهواجس والظنون، أغمضـت عينـيَّ فوجدتُنـي محمولًا بين ذراعيه الطويلتين مغشيًا علىَّ، تحيـط بي مجموعـة مـن الرجـال يرتـدون سـترات بيضـاء، تطـل مـن أعينهـم نظـرات غير آدميـة، وتلمـع بين أيديهـم آلات حـادة، ثبتوني على طاولـة كبيرة أمامهـم، ثـم التفوا حـولي يقطعـون أعضائي، بخفـة متناهيـة يفصلـون القلـب عـن الشرايين والأوردة العالقـة بـه، ثـم يضعونـه في صنـدوق صغير، ويسـتمر عملهـم بنشــاط دون توقــف، أحــاول أن أتبين ملامحهم ولكنني لا أســتطيع.

شــعرت بأنفــاسي تتوقــف شــيئًا فشيئًا، آلاتهم تعج في صدري، فيخرجون منه جزءًا تلو الآخر،ويثبــت كل عضــو عـلى حــدة في صناديــق متباينــة الألـوان والأحجام، وتســيل دمــائي بغــزارة ولا أحد يحــرك ســاكنًا.

ُ انتبهـت مـن غفـوتي، تحسسـت جسـدي، حملقت بعيوني المتوجسـة في وجهه، فوجدته ثابتًا، حاولـت أن ألقـي بنفسي مـن بـاب الســيارة المندفعة، ولكن شيئًا ما منعنـي، حـدق السـائق في وجهـي بعينـين مندهشتين، ثـم انعطـف عـن الطريـق المعتـاد، أدركـت أنـه قـد حانت الآن نهايتـي، اسـتمر في طريقـه بـلا توقـف.

بــدأت أتفحــص ملامحه الجامدة، وأرتـل أدعيــة وابتهالات للــه، وأدعــوه أن ينجينــي مــن كــربي، اســتجدي بعضا مــن شجاعتي المعهــودة، ولكنــه فجــأة ســلك الطريــق الصحيــح للبلــدة، وبالفعــل اقربت منهــا، سكَنت مشــاعري ودبـت الطمأنينــة في قلبــي.

بـدأت هواجـس الهلـع تتـلاشى، وشـعرت بالألفـة تجاهـه، تحولـت ملامحـه الغليظـة إلى ملامـح عطوفـة، شـعرت بـدفء مشـاعره وكأنـه صديــق حميــم، فســكن قلبــي وثلجــت أطرافي، وقبــل دخولنــا إلى القرية، ناولنــي علبــة عصير باردة، جذبتها من يده وتجرعت ها بشراهة، بــدأت أشــعر بتثاقل يسري في رأسيً، غبت عن الوعي، وفقــدت قدرتي عـلى الحركة والنطق تمامًا.

نهاية برىء

  نهاية بريء

محمد الباشا  

العراق 



أنا وصديقي رحلة طفولة وصداقة ، في الجامعة قمنا بتشكيل نواة ثورة شبابية طلابية ، لعلنا ندرك خراب هذا البلد ، دائما نجتمع في شقته التي يعيش بها لوحده ، أبوه قاتل الغزاة قبل وفاته وكان برتبة عسكرية عالية ، أمه ماتت وقلمها سامق لا يتوقف عن استنكار دمار الوطن ، أخوته كل في مجال الحياة يبدع ، بقى يحمل نبراس ابويه ليبرز على ساحة الرافضين لطريقة أداء الحكومة ، في احد الأيام بادرني بالحديث وقال لي كلاما لأبلغ به الآخرين من التنظيم :

_ أتعلم يا صديقي البار ، لقد علمني أبي ان أحارب الإستعمار ، وأن اقف بوجه كل متكبر جبار ، وأن ارفض المساومة على القضية والإتجار ، وقد جاءني أحدهم وطرح علي خيار ، أن أبيع موقفي بالدولار ، فأعلم أننا أما أن نقبل أو سينالنا منهم عذاب من نار ، أو سجون ولا يبقى منا إلا التذكار ، وأنتم يا أصدقائي لكم القرار ، أما البقاء معي وتحمل الأوزار ، أو تركي وحيدا والفرار .

قلت له وانا على يقين من كلماتي :

_ مشينا طريقنا ونحن نعرف الاحتمالات ، أما أن نعيد لبلدنا هيبته أو نكون مع الأموات ، نحن نعلم أن ديدنهم المساومات ، لكننا أبينا ألا أن نكون رمزا للحياة ، أصرارنا أن نبقى متمسكين بكل الشعارات .

بعد أسابيع كنت مع صديقي في شقته نهيء لأحتجاجات صاخبة ، القي القبض علينا بتهمة تهديد أمن الوطن ، رمينا في سجن مجهول ، بقينا عدة أيام أراد السجانون ومن ورائهم أن يقايضونا ، بعد رفضنا كل مشاريعهم بدأت مرحلة التعذيب ، وبعد جلسة تعذيب شديدة وألم كبير ، جاء أحد المسجونين فقال :

_ أنهم أناس ظالمين ،يعذبوننا ويتركوننا للأوجاع والأنين ، فخذوا هذه الحبوب عندها يهدأ وجعكم ويستكين ، ولا تهابون سوطهم ولا تخافون عصاهم المتين .

مرت الأيام لكن صرنا لا نعرف أن ننام ، ولا نعرف ان نهدأ الا بهذه الحبوب ، بدأنا نتناول نوع من السكائر تشعرنا براحة كبيرة ، بدأنا نمر بمرحلة إدمان الكحول ، لكن لم نسأل انفسنا يوما كيف تدخل لهذا السجن هذه الأشياء ، حتى جاء يوم الإفراج عنا بعد أكثر من ستة أشهر ، خرجنا تحت رقابتهم ورعايتهم كما كنا في السجن ، الحبوب والسكائر والكحول هناك من يمولها ، بقينا تائهين ، ضائعين ، ندخن ونشرب وننام ، طردنا من الجامعة ، جميع الأصدقاء نالهم الوعيد ، صديقي راح يتقوقع في شقته ، حتى صرت لا أراه إلا مرة كل فترة متباعدة .

جاءني أبي ذات يوم وقال لي :

_ صديقك النقي رفيق المحن ، وجد متفسخ جسده لانه ميت في شقته من زمن ، ولا أحد يدري متى وكيف مات وأين أندفن ، تبا لمن أجرم بحقه وقتله وله كمن ، قتلوه لأنه أراد أن يظهر للعلن ، أن للبلد رجال ونساء لا يهابون المحن ، قتلوه لأنه كان يريد وطن .



جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا