Flickr Images

Product :

Popular Posts

نَبضْ

بقلم/ إبراهيم محمد سالم

الثالثة صباحًا بتوقيت تكساس..

لا أستطيع النوم، ربما مللت إياه، كم أتمنى دفن رأسي داخل وسادتي كي أستريح، عيناي مرهقتان، وجهى شاحب وأناملي تُقشعر خشية من نفسى التى تحطمت عدة مرات بسببي، للمرة الأخيرة أود أن أتنفس بحرية..


(قبل شهر..)


اعتدت على الرحيل، الذهاب للاشئ، يرهقني البقاء أيًا كان، أؤمن بنفسى جدًّا وأعشق تفاصيل وحدتي الصامتة وكأنى تعهدت على الصراخ بداخلي، كنت دائمًا وحيدا، لدي بعض الأصدقاء المقربين ولكن معظم أوقاتي أقضيها بمفردى، كم أود إحتضان نفسي بقوة!، كما أرغب فى إحتواء قلبى المحطم، مُنذ رحيل أمى وأنا أشتاق لسماع اسمى «دلال» من المطبخ وأنا بداخل غرفتي، حتمًا لم يستطيع أحد أن يُناديني بصدقٍ وإخلاصٍ مثلما كانت تُخرج حروف اسمى من قلبها،.. ظللتُ على هذا الحال طيلة سبعة أشهر: كلامى قليل.. عقلى مُشتت.. حتى أنفاسي تأبى أن تخرج بإنتظام، اعتدتُ على ذلك ولكن مللتُ تفاصيلَ وحدتي البائسة- حتى رأيته كان يسير فى وقار وجاذبية خاصة.

نعم!! بمجرد تتبُع خطواته التي أخفقت قلبى إعتدل شيءٌ بداخلي، ماهذا، لقد عاد لينبض من جديد؟!

يا إلهى.. كم جميل هذا الشعور المستحوذ على كيانٍ ما بداخلك، لا تعلم لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟

يبدو أنه قادم نحوى.. اعتدلتُ في جلستي وأخرجت زفيري المُمتزج بهواء يأسي، وبمجرد إقترابه تزايدت نبضات قلبي وكأن ما بداخلي تعهدت ألا يحيى إلا بقُربِه، سحبَ مقعده في ثقة ثم إقترب نحوي في هدوء قائلًا:


- افتقدتُكِ كثيرًا يا فتاتى.. كيف لكِ أن تبتعدي ومازالت روحي بداخلك؟

لم أجيبه، ربما لأنني أخشى الفقدان مرةً أُخرى، ولكن تعهد عقلي على قلبي أن يقتل كل ما مررت به من فقدانه فتنهدت قائلة:

- لقد رحلت مرة، وأخشى فقدانك الأُخرى، لطالما عُدَّت وجلست فأنت بداخلكَ الكثير لتقوله.. 

تبسم قائلًا:

- اشتقتُ لكِ، كم كان صعب الفراق، لا تقلقي أنا بجانبك، عُدَّت نادمًا يا دلال، أخشى الرحيل مرةً أُخرى ..

لماذا لم أصدقه؟ لماذا أشعرُ بالنفاق؟ عيناه تتحدثا معه وكأنه يقُص عليّ ما بداخله فتلاحق عيناه بالحديث قائلة: لا تصدقيه إنه كاذب!! و

لكن كالعادة انتصر قلبي الحنون على عقلى المُذبذب، انتصر وكأنه يرغب دائمًا أن يكون ضحية الفراق، ضحية الكذب.. ضحية نفسي الباهتة.

مرت الأيام وعاد، لا أنكر أن ضربات قلبي انتظمت منذ أن جاء لي ورأيت ما بداخله، طيلة شهر على هذا الحال، أؤمن أن وجود من يتعمق قلبك.. جانبك مريح، ولكنني أشعر بشيءٍ ناقصٍ، كإصطناعه ذلك الحب أو ماشبه.. إبتسامته عجيبة، ينقصها الصدق! عيناه دائمًا تُحذراني منه، يخفق قلبى وأنا معه على غير عادتى سابقًا، يا حصرتي على نفسي لا بقربه سعيدة، ولا بغيابه أستطيع أن أصطنع حتى سعادتي، ربما كُتبَ على قلبي التعاسة غائبًا أم كان حاضرًا، تبًّا لك!!  لا أكرهك ولكن ينقص روحي وجدان طيفك الذي كان يؤنسني في وحدتي، ويتراقص قلبى معه أثناء بقائك جانبي، تمهلتُ قليلًا وتوقفت بعقلي لوهلة ناظرة حولي ولهذه المدينة الجميلة « تكساس» كم أعشق هذه المدينة التي إحتوت طفولتي وبرائتي ثم مزقت روحي إربًا بعد ذلك، لم يلتئم جرحي، ولن تعود روحي المُبعثرة سوى في هذا المكان الذي أجلس به وأقص عليكم ماحدث، هو خالٍ تمامًا، يمتلأ بالزهور والأشجار، الطيور المُحلقة أعلى رأسي تُشعرني بالدفئ لطالما أصدرت صوتها الرقيق.. أنا فى سلام، أجلس أمام نهر أخضر اللون وتلامس نسماته وجنتي، أكتب بقلم يعتليه ريشة تداعب قلبي كلما أخرجت الحروف المكبوتة بداخلي، أكتب ماحدث وما لم أتوقعه إطلاقًا... 

- تناثرت سطوري فى وحدةٍ مُبهمة، تشتت أحرُفي في ظِلٍ باهت، يغْمُر قلمي الخوف خشيةً من كلماتي، وتصيح الوحدة باسمى فى ثقة، لأنها تعلم أنني أعشقُها..


بعدما عاد ووثقت به مرةً أخري، كنا فى سلام طيلة شهر، أحببت بقائه واستسلمت، تمادى قلبي في تصدقيه، والآن أجلس في شرفة منزلي ليلًا كعادتي، أحتسي قهوتي اللذيذة التي ترسم بسمتي المطمئنة، إعتذرت لنفسي عمَّا قدمته من جحود وبهتان ثم إستنشقت هواءً خالٍ من سموم عقلي، ونثرت بيدي التي توارت خلف ظهري فى حيرة متسائلة أين هو؟

سمعت صوت هاتفه يدق، أيعقل؟! لقد تركه وذهب، بدون مقدمات ذهبت إلى الداخل مُجيبة على من يتصل، ولم أنطق حتى «ألوو» لأجد صوتٍ غليظ ينادي بإسمه قائلًا:

- ماذا فعلت في المهمة الأخيرة يا رجل، نحن في الإنتظار، طيلة شهر ننتظر، اقتل عشيقتك اليوم، الرئيس فى إنتظار دماءها.. 

ماذا؟! صُدمت لوهلة من الوقت، فتساقطت دموعي بغزارة على وجنتي التي إحمرت خوفًا وقهرًا.. شعرت بالدوار، زادت غزارة دموعي التي تساقطت أيضًا على صدري، أرتجف بشدة.. غير مصدقة، حتي إستجمعت قوتي وفتحت هاتفه، فوجدت صور لأعضاء البشر وأموات، أحشاء وقلوب بشرية وعيون! لا لا لا.. مستحيل، تساءلت بداخلي، من هذا الشخص، هذا ليس هو، وماذا يريد أن يفعل بدمائي.. أجل تذكرت!..

فى يوما من الأيام شعرت بالإرهاق والتعب وذهبنا سويًّا للطبيب وفى نتائج التحاليل تبين لنا أن فصيلة دمي نادرة للغاية، وسلالتي فى الأساس مزيج من سلالات الهنود الحمر والإسبان، ويستخدم دمي فى القضاء على مرض السُّل، وأحيانًا مرض السرطان عند حَقنه فى جزء معين في البطن، وحينها قال الطبيب أنّني سُلالة نادرة ويمكن أن يصبح لي دورًا هامًا فى المستقبل خُصُوصًا أنني أعمل طبيبة فى إحدى المستشفيات الشهيرة بنيويورك، وفترة عُطلتي أقضيها معه! لا أصدق نفسي، تاجر أعضاء ويعمل مع عصابة لديها رئيس، ماذا عن شركات الإستثمار التى يُحدثُني عنها، ونجاحته وإنجازاته، ربما أحلم، صرختُ ضاربة بيدي على وجهي: -استيقظي أيتها البلهاء.. استيقظي!

ولكن دون جدوى، ربما كَتب عليّ الواقع أن أبقى حزينة وحتمًا سأعيشه وأتأقلم معه لامحال، تبًّا لسذاجتي،  إنتظرته حتى عاد، مُرتبكٌ على غير عادته، مُشتت لا يبتسم إبتسامته الكاذبة، تمهلت في نظراتي له حتى إقترب مني قائلًا:

- يجب أن نذهب سويًّا لمكان ما.. سينال إعجابك.

بثقة أجبته:

- دعنا نقضى ليلتنا في المنزل أنا متعبة..

أجبني بإرتباك: 

- كنت أرتب لهذا اليوم مُنذ شهر، هيا يا عزيزتي حتى لا نتأخر..


نهضتُ من مجلسي في هدوء ثم عانقته بقوة، بدفئ.. أود أن أشعر بأنفاسه تلامس كتفي.. ربما صادقًا وأنا جننت، ولكن دقات قلبه غير منتظمة.. يشعر بتوتر.. أنفاسه تتزايد، زفيره يخرج ببطئ.. علامات الأسي على وجه، لن أتردد كثيرًا، لأخرج به إلى الشرفه، وأقف ورائه فى ثبات وأطعنه بسكين عدة طعنات متتالية فى ظهره، إستدار بقوة غاضبًا، تتساقط دموعه ندمًا، تُغلق جفونه وتُفتح غير مصدقة، حتى بدأ يفقد وعيه تدْريجيًا.. لم أتردد مرة أخري لألقي به من الطابق السادس والخمسين مبتسمة بعدما سحبت السكين من ظهره وقت عناقي الأخير له والدماء تتساقط أرضًا، كنت أبكي بغزارة، تساقطت قطرات دموعي على بدلته الأنيقة، وهى آخر شيء من روحي يذهب به، يذهب به بلا عودة، ربما قطرات دموعي تغفر لك أيها الكاذب، وللمرة الثانية على التوالي فُطر قلبي، وإندثرت روحي بين المنطق واللامنطق، وتآخذت، ذهبت إلى فراشي في هدوء وألقيت جسدي عليه وأنا أضحك، تعالت أصوات ضحكاتي الممتزجة بالبكاء لأول مرة.


«لا أستطيع النوم، ربما مللت إياه، كم أتمنى دفن رأسى بداخل وسادتى كى أستريح، عيناي مرهقتان، وجهى شاحب وأناملى تقشعر خشية من نفسى التى تحطمت عدة مرات بسببي، للمرة الأخيرة أود أن أتنفس بحرية.. ».


تمت بحمد الله.






ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا