يقول الفوتوجرافر محمد عبد الغني عندما نحلل العلاقة بين الفن والتصوير الفوتوغرافي، نجد تناقضا في الوسائط، إذ يتطلب الفن براعة وقدرة لا يملكهما الجميع، في حين أن الكاميرا آلة يمكن لأي شخص أن يتقن استعمالها ببساطة
منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي والتقاط أول صورة كان ينظر إليه كتقنية حرفية لا يمكنها منافسة الأعمال الفنية، لأنها لا تهتم بالخيال. ولفترة طويلة ظل مفهوم التصوير الفوتوغرافي كوسيط ميكانيكي توثيقي لا أكثر. واستمر الجدل الدائر حول كنه التصوير الفوتوغرافي، بحجة أن الكاميرا تحاكي فقط ما يوجد أمامها، أي أن الصورة عبارة عن استنساخ بسيط وغير شخصي للواقع، وبالتالي لا يمكن اعتبارها فنا.
عندما نحلل العلاقة بين الفن والتصوير الفوتوغرافي، نجد تناقضا في الوسائط، إذ يتطلب الفن براعة وقدرة لا يملكهما الجميع، في حين أن الكاميرا آلة يمكن لأي شخص أن يتقن استعمالها ببساطة.
ومع ذلك فإن تعريف الفن يقدم جدلا أقدم وأكثر تعقيدا، فقد اتفق معظم النقاد على أن الفن غير موضوعي ويعتمد على التفسير، لذلك عادة إذا كانت الصورة تولد معنى أو تأويلات مختلفة يمكن اعتبارها فنا، وفي الوقت نفسه يمكن استخدامه لأغراض نفعية بحتة.
ويستخدم التصوير الفوتوغرافي لغة العناصر المرئية، بدلا من الكلمات، لذلك يمكن استخدامه لأغراض فنية أو أغراض أخرى، ويخدم التصوير الفوتوغرافي غرضه المزدوج دون أي تناقض.
ما يميز الفنان الحقيقي هو امتلاكه رسالة يسعى لتوصيلها، وقدرة المشاهد على تفسير الصورة تمنح الفنان حرية طرح الأسئلة بدلا من تقديم الإجابات، وهو مثل أي شكل من أشكال الفن المرئي يستغل نقاط ضعف الإدراك البصري للإنسان، ويمكن أن يجعلنا نشعر بالتعاطف أو الكره.
الكاميرا آلة يمكن لأي شخص أن يتقن استعمالها ببساطة
على عكس الرسم يتطلب التصوير الفوتوغرافي وجود كائن مادي حقيقي لالتقاط صورة له. هذه الحقيقة هي سبب إدراكنا لأي صورة على أنها شيء أكثر واقعية من أي تمثيلات بصرية للواقع. وتعتبر هذه السمة من أهم سمات التصوير الفوتوغرافي، وقد استغرق الأمر بعض الوقت من الفنانين الذين اختاروا التصوير كوسيلة للتعبير الإبداعي لفهم هذه السمة.
وشكل رسامو اللوحات أول مجموعة من المصورين، وكانوا متأثرين بشكل كبير بتقاليد وتقنيات الرسم، ومن ثم لم يدركوا السمة المميزة للتصوير الفوتوغرافي واكتفوا بتقديم أعمالهم كلوحات فوتوغرافية.
وعلى الرغم من الجاذبية البصرية العميقة للتصوير الفوتوغرافي، فقد طور الفنانون الذين اختاروا التحول إلى التصوير تقنيات جديدة لإبعاد أنفسهم عن كونهم مجرد حرفيين، وظهرت تلك الأفكار خلال السنوات الأولى للتصوير الفوتوغرافي، عندما كان المصورون محصورين في تصوير الأشخاص والأشياء الثابتة.
أولى التجارب الفنية في التصوير
بفضل المصور الألماني أوسكار بارناك الذي اخترع أول كاميرا دقيقة بعدسة مقاس قطرها 35 مليمترا. وبسبب التطور التكنولوجي، بدأت الفوتوغرافيا في التحرر.
وبعد ذلك، طوّر المصور الفرنسي هنري كارتييه بريسون تقنيات التصوير وابتكر مصطلح "اللحظة الحاسمة" والذي أصبح علامة على أسلوبه، ووصفه لأتباعه وتلاميذه الذين لا حصر لهم. وتقوم فكرة بريسون على التقاط صور عفوية في لحظة فارقة، وأثرت فكرة العفوية بشكل كبير في الجماهير وجعلت التصوير الفوتوغرافي أكثر تصديقا من قبل
أحد الاختلافات الملحوظة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي هو كون الرسم معقدا ويصعب إتقانه، بينما أتاحت التكنولوجيا لأي شخص التقاط صورة سليمة تقنيا وتصوير تحفة فنية عن طريق الخطأ، لذلك عندما تخرج صورة فوتوغرافية مثالية يعتقد البعض أنها شيء لا يستحق الحديث عنه.
غير أن الفهم الجيد لخصائص الضوء وتقنيات التصوير لا يحول الشخص إلى فنان، وتلك السمة غير المعقدة التي تميز التصوير الفوتوغرافي هي التي تجعل المصورين يبحثون عن العوامل التي تحول التصوير الفوتوغرافي إلى فن، كما يحاولون استخدامه كوسيلة للتعبير عن رؤيتهم المختلفة للعالم، في محاولة منهم لإعطاء رؤية مغايرة وغير عادية للواقع، تجعلنا نشعر ونرى أشياء ربما ليست موجودة في الواقع من الأساس.
مع تزايد منصات التواصل الاجتماعي تلاشت الكاميرا إلى الوراء وتقدمت كاميرات الهواتف
بالرغم من ذلك لا يمكن أن يصبح كل شخص مصورا، فالمصور الحقيقي ليس من يلتقط العشرات من صور السيلفي يوميا، لكنه الشخص الذي يحوّل فكرته ورؤيته إلى صورة صحفية أو فنية.