عندما نتحدث عن الموسيقى السورية، لا نتحدث عن بلد أو تراث عادي، بل عن أقدم البلدان التي أنتجت أول أبجدية في التاريخ البشري، في مدينة أوغاريت عاصمة الكنعانيين التي تأسست في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
أول نوتة موسيقية في التاريخ
تفتخر هذه المدينة بأنها حفظت من القرن الرابع عشر قبل الميلاد ما يعتبره كثير من الباحثين أول نوتة موسيقية مدونة في التاريخ، وقد حاول علماء الموسيقى استخراج اللحن من اللوح الطيني المدون عليه (الرقيم H-6)، لكن هذه الألحان لم تأت متشابهة تماماً بسبب اختلاف قواعد القراءة التي اعتمدها هذا العالم أو ذاك.
يحمل الرقيم نصاً باللغة الحورية منوطاً على سلم موسيقي من سبع علامات، يروي حزن امرأة غير قادرة على الإنجاب فتتوجه بهذا النشيد متضرعة إلى إلهة القمر نيكال. ولا شك أن وضع السلم الموسيقي والتنويط يعني توفر أدوات متطورة للعزف، وهذا ما أكدته التنقيبات والبحوث الأوغاريتية.
واستطاع الموسيقي السوري إياد الريماوي تقديم تصور لهذه الترنيمة، حيث قدمت في إكسبو دبي 2020، وكان زائر المعرض والجناح السوري تحديداً يستمع إلى القصة والموسيقى.
مرت الموسيقى السورية بحقب زمنية وعصور مختلفة، وتطورت على أيدي أشخاص متعددين، فإبان مرحلة نشوء الكنيسة السريانية في أورفة، لجأ الشاعر أفرام السرياني (307-373) إلى وضع التراتيل في ألحان يسهل حفظها، كخطوة في مجابهة ما كان يبدو له هرطقة، وقد استفاد في مشروعه هذا من المقامات الموسيقية المنتشرة في المنطقة، التي تعود أصولها إلى بلاد ما بين النهرين.
بدأت الموسيقى والغناء السوري والعربي التقليديين باتخاذ الشكل الذي نعرفه اليوم في العصر الأموي (661-750)، حيث شيدت القصور وانتقل الغناء إلى داخلها، وأصبحت مدينة حلب في عصر الحمدانيين من أهم مراكز الثقافة العربية، حيث اجتمع أبو الطيب المتنبي والموسيقي أبو نصر الفارابي الذي لديه عديد من الكتب المتخصصة بالموسيقى وإليه ينسب اختراع آلة القانون.
تتالت بعدها سيطرة أقوام عدة على سوريا إلى أن وصلت إلى العثمانيين، وفي هذا السياق يقول البروفيسور حسان عباس "إن العثمانيين طبعوا المنطقة بثقافتهم، لذلك لا نستطيع أن ننكر أن كثيراً من الأشكال الموسيقية التركية استقر في سوريا وصار جزءاً راسخاً من موسيقاها بخاصة الموسيقى الدينية والدنيوية".
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق