Flickr Images

Product :

Popular Posts

قالت

 قالتْ 

بقلم  د.أسامة مصاروه 



حبيبي أعرفُ أنّني لنْ ألتقيكَ أبدًا، فكلُّ الموانعِ قائمةُ وتحولُ دونَ ذلكَ، والغريبُ في الأمرِ أنّني سعيدةٌ لذلك، فاستحالةُ لقائِنا (رابعُ المستحيلات) تُخلّدُ حبَّنا، عشْقَنا، غرامَنا، هيامَنا، شوقَنا وحنينَنا. 

ليلةَ أمسِ زارتني إحدى قريباتي. كنتُ حينها في الحديقة أجمعُ مثلكَ أوراقَ الشجرِ المتساقطةَ. فجأةً تذكرتُ ما كنتَ تقولُهُ عن ثورةِ الغضبِ التي كانت تجتاحُكَ كلّما خرجتَ صباحًا مع فنجانِ قهوتِكَ، لتشربَهُ بهدوء الصباحِ الممتزجِ بشدوِ البلابلَ وهديلِ الحمامِ المختبئةِ بين أغصانِ المظلّةِ الخضراءَ التي كانتْ تحجبُ أشعةَ الشمسِ عن رأسِكَ. كم جميلٌ، كنتَ تقول لي، أن تجلسَ هناكَ لتكتبَ لي رسائِلَكَ، أو فكرةً لقصيدةٍ سطعتْ فجأةً في ذهنِكَ.

معذرةً حبيبي سرحتُ فنسيتُ حكايةَ قريبتي. كما ذكرتُ أعلاه كنتُ في الحديقةِ عندما دخلتْ ورأتْ هاتفي الخلويِّ متروكًا على الطاولةِ، فأرادتْ إحضارَهُ لي فوقعَ بصرُها على آخرِ حديثٍ بينَنا. وكما أعرفُها وكعادتِها طلبَتْ الشرحَ بالتفصيلِ المُملِّ، فكيفَ لها أنْ ترضِيَ حبَّ استطلاعِها وتملأُ الوقتَ أيضًا.

طبعًا أرادتْ أن تعرفَ كلَّ شيءٍ، وحذّرتني ألّا أخفيَ شيئًا عنها. بصراحةٍ يا حبيبي كنتُ أتمنى أنْ أجدَ من أستطيعُ مشاركتَهُ بقصةِ حُبِّنا. من الصعبِ على المرءِ أنْ يُخفي مشاعرَهُ عن كلِّ الناسِ طيلةَ الوقتِ، فهو يحتاجُ صديقًا واحدًا على الأقلِّ يفتحُ له قلبَهُ لعلّهُ يجدُ الدعمَ أو المواساةَ أو المشورةَ الصادقةَ. 

لا أريدُ أنْ أرهقَ ذهنَكَ بجميعِ التفاصيلَ، وأنتَ تعرفُ عندما تبدأ البناتُ بالحديثِ خاصة حولَ قصصِ الهوى، فالحديثُ يطولُ ويطولُ ولعلّكَ الآنَ مشغولٌ مشغولُ.

بدأتْ تسألُ عن عمرِكَ، عملِكَ، مكانَ سُكناكَ، وما إلى ذلكَ من معلوماتٍ ضروريّةٍ عنِ َالعريسِ، وأهمُّها متى ستتقدّمُ لخِطْبتي. أجل لا بُدَّ أنْ تكونَ العريسَ، إذ لا مجالَ لعلاقةٍ قوامُها الحبُّ فقط. الحبُّ من أجلِ الحُبِّ، أيُّ تخريفٍ هذا ؟ ليتَهُ كانَ تخريفًا فقط، وليسَ تعريفًا آخرَ. تُرى ماذا كان بإمكاني أن أقولَ لها وهي الشرقيّةُ العربيّةُ التقليديّةُ بل والمحافظةُ مثلها كمثلِ بقيّةِ سكانِ القريةِ، ومن ضمنِهم أنا. مَنْ منهم يستطيعُ مجردَ التخيُّلِ أو التصوُّرِ أنّ ابنةَ قريتِهمْ تُحبُ رجلًا غريبًا عنهم، أي ليس من القريةِ، وليسَ المقصودُ انتماءهُ لديانةٍ أو طائفة أخرى. يا ويلتي لو كانَ الأمرُ كذلكَ.


أُحِبُّك


قالَ:


حبيبتي، أتذكرينَ كمْ قاسمًا مشتركًا اكتشفْناه بيننا؟ لا يحدثُ مثلُ هذا الأمرِ بشكلٍ مدروسٍ ومقصودٍ واعتياديٍّ بين الناسِ. هلْ طبيعيُّ ومألوفٌ لدى صديقيْنِ أو زميليْنِ أو شريكيْنِ أنْ يبدآ تعارفَهما بالحديث عن القواسمَ المشتركةِ بينهما؟ طبعًا كلّا، فمثلُ هذه الأمورِ تظهرُ أو تُكْتَشفُ بشكْلٍ عفويٍّ، تلقائيٍّ، أيْ بمحضِ الصدفةِ وفي أثناءِ أحاديثَ مطوّلَةٍ بينهما. 

هكذا كانَ الأمرُ بيننا، وكلّما تحدثْنا، عرفْنا بل اكتشفْنا قاسمًا أو قواسمَ جديدة أثارتْ دهشتْنا، وجعلتْنا نؤمنُ أنّ اللهَ لمْ يجمعْنا روحيًا، عاطفيًا رومانسيًا، ثقافيًا، فكريًا، فلسفيًا إلًا لهدفٍ سامٍ هو أعلمُ بِهِ. أنا أفهمُ أن يتقاسمَ البشرُ صفاتٍ أو مزايا أو طباعًا محدودةً جدًا، ليس بالعددِ الكبيرِ المفاجئِ والغريبِ الذي يجمعُ بيننا. ما معنى ذلك؟ كما قُلتُ اللهُ أعلمُ.

ذكرتِ أنَ ليلةَ أمسِ زارتْكِ إحدى قريباتِكِ وطالبتْكِ بالحديثِ عن طبيعةِ علاقتِنا وما إلى ذلك. ربّما لا تصدِّقينَ إنْ قُلتُ إنَّني سهرتُ ليلةَ أمسِ معَ صديقيْنِ حميميْنِ لي في نفس المتنزّهِ، الذي سبق أنْ أرسلتُ لك صورًا كثيرةً له، وحتى العديدَ من الفيديوهاتِ التي صوّرتُها هناكَ. قبلَ مجيئِهما كنت منشغلًا بكتابةٍ رسالةٍ لكِ، ولم أنتبهْ لوقوفهما خلفي. هكذا أنا عندما أكونُ منهمكًا منشغلًا بكتابة مادة ما، لا أرى ولا أسمعُ ما يدور حولي، فما بالكِ إنْ كُنتُ منشغلًا بالكتابةِ إليكِ. 

لقد كان مثلُهُما كمثلِ قريبَتِكِ التي أرادتِ الإستماعَ إلى الحكايةِ من "طقطقْ لسلامُ عليكمْ". طبعًا وُجِّهَتْ إلي نفسُ الأسئلةِ إنَّما بضميرِ المُؤنَّثةِ الغائبةِ. وأجوبتي، كما لا بدّ لكِ أن تدركي إذِ اللبيبُ بالإشارةِ يفهم، لم تُقْنعْهُمْ إطلاقًا بل أثارتْ سخريتَهمْ. 

- هل أنتَ طبيعيُّ؟

- بكلِّ تأكيدٍ أنتَ تمزحُ معنا.

- بالعكس، أنا جادُ فيما أقوله.

- كيف؟

- أجلْ، كيف؟ كيف تعشقُ من لن تراها أبدًا؟

- بل قلْ ولنْ تتزوّجَها.

وتوالتِ الأسئلةُ فإجاباتي بطبيعة الحالِ لم تقْنِعْهم.

ربمّا قناعتُنا واقتِناعُنا بأنَّنا نحتاج إلى هذا النوعَ من العلاقاتِ، التي هي خليطٌ من الإحتياجاتِ الفكريّةِ، الثقافيّةِ، الفلسفيّةِ، العاطفيّةِ، الرومانسيّةِ والإنسانيّة، هذه القناعةُ وهذا الاقتناعُ هما المحرّكانِ، الداعمانِ، المعمّقانِ، وحتى المخلّدانِ لعلاقتنا بالرغمِ من أنّها خامسُ المستحيلاتِ، تذكّري حُبُنا هو رابعُها. 

لمَ لا تربطُ بين رجلِ وامرأةٍ علاقةُ حبٍّ من هذا النوعِ؟ من قالَ أنَّ الزواجَ هو المحصِّلةُ الأخيرةُ للحبِّ؟ وهل كلُّ زواجٍ مبنيُّ على الحبِّ؟ وحتى لو كان كذلكَ من يضمنُ استمراريّةَ مثل هذا الزواجِ؟

دعوني أبتكرْ زواجًا جديدًا تكون لي براءَتُهُ – الزواجَ الروحيَّ القلبيَّ العقليَّ. هلِ انْتَبهْتُم؟ لمْ أذكرْ "الجسديَّ" فالجسدُ فانٍ، وبالتالي كلُّ ما له علاقةٌ بالجسدِ فانٍ كذلكَ.

أُحِبُّك

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا