Flickr Images

Product :

Popular Posts

رواية " راقصة الفلامينكو "

 رواية "راقصة الفلامينكو"  5

بقلم  عبده داوود 



عندما حطت الطائرة على مدرج مطار دمشق، قالت ديانا الحمد لله وصلنا إلى بلد حبيبي. 

الطريق من المطار إلى دمشق، متعة وجمال، الزهور والأشجار الخضراء تملأ الغوطة اشراقا، وعبقا منعشا

قالت مارينا ما أروع رائحة الزهور هنا

قالت ديانا: تقول العرافات إذا أحببتم زهور مكان ما سيكون نصيبكم أن تعيشوا فيه...

صباح اليوم التالي: ماريا رفضت أن تتبرج كثيرا،

وقالت: مسعد أحب بساطتي في كل شيء شعري، لباسي، طريقة كلامي...وقال في البساطة صدق، وأكثر ما يكرهه ذلك التبرج السميك الذي غالبا لا يدوم، ويزيله بعض الوقت، ثم تظهر الحقيقة العارية المختبئة تحت الرماد... 

الجمال الحقيقي يكمن في عقل  الإنسان النظيف بداخله، وهذا دليل الثقة بالنفس، والصدق ذاته.

والجمال الحقيقي الأصيل، هو الذي يدوم العمر ولا يشيخ أبداً... 

بناء على موعد، ذهبت ديانا وماريا إلى دائرة الطيران المدني، استقبلهما المدير ببشاشة وكلمهما باللغة الإنكليزية، 

قال لهما: مسعد قدم استقالته من الوظيفة، وعلمنا مؤخرا بأنه باع دار سكنه، ولم نعد نراه، ولكن سأهاتف صديقه الحميم مالك، ربما يرشدكما إلى عنوانه...

تفرس مالك بهما مستغربا، وسأل: ألست أنت ديانا؟

اندهشت الفتاتان، كيف مالك يعرف ديانا؟

قال مالك: انت تماما كما وصفك مسعد

مسعد للأسف سافر الأسبوع الفائت إلى سلمنكا، حتى يراك...

ديانا أجهشت بالبكاء...وقالت سنعود إلى اسبانيا في الحال، الآن سأخابر الحارس في سلمنكا...

 قال الحارس: رجل جاء من سورية سأل عنك بالذات قلت له: إنك في فرنسا. أعطيته رقم هاتف مكتبك هنا وعاد هو إلى مدريد كما أظن...

مالك أصر على استضافة الصبيتين، أم مالك استقبلت الضيوف وكانت فرحتها لا توصف وهي ترى أجنبيات صديقات ابنها في بيتها، ذلك البيت الذي هو أحد بيوت دمشق الدمشقية العريقة. بحيرة في وسط الدار، شجرة نارنج ضخمة، تغطي ساحة المنزل وشجيرات  الياسمين تزين  الجدران. 

اخذت أم مالك تحضر وجبة الغذاء، وماريا تساعدها في المطبخ، وديانا ذهبت مع مالك إلى السوق لشراء بعض الأطعمة الجاهزة...

ديانا أخبرت مالك بأنها حامل، مالك لامها كثيرا وقال: هذا تصرف أرعن، ربنا لا يرضاه اطلاقاً.

أم مالك لا تعرف لغة غير العربية، وكانت تتفاهم مع ماريا بلغة الإشارة، وكم أعجبت الأم بذكاء ماريا وفطنتها

وكانت تقول ربنا يجعلك من نصيب ابني...وماريا لا تفهم ماذا تقول أم مالك...

أصرت ديانا أن تدعو مالك وأمه إلى حفلة غنائية راقصة في فندق الميريديان...

كانت الحفلة غاية  بالترتيب والأناقة والمأكولات الشهية. 

جاءت زجاجة شمبانيا على الطاولة وقال النادل هذه هدية من مدير المطعم، مما اثار الاستغراب. 

لكن بعدها ظهر مدير المطعم، وقال يسرني ان أعلمكم المفاجأة الرائعة، توجد بيننا ديانا أعظم راقصة فلامينكو في اسبانيا. نرجوك سيدتي أن تتفضلي وتقدمي لنا واحدة من رقصاتك الرائعة...

ديانا تفاجأت وارتبكت، ثم وقفت وصعدت إلى المسرح، بكل ثقة بالذات، دوى تصفيق في المطعم. هي تشكرت الجميع وقالت: أرجوكم أن تعذروني عن الرقص لأنني حامل، والرقص ممنوع عليّ، لكن سأغني لكم اغنية من كلماتي ربما تعجبكم...

غنت بالإسبانية:

 جئت من بلدي أبحث عن حبيبي

وأنا أحمل له هدية في أحشائي.

قالوا لي: حبيبك ذهب إلى بلادك يبحث عنك

لا أنا أعرف أين حبيبي، ولا حبيبي يعرف أين أنا...

وأجهشت بالبكاء، أحدهم ترجم للعربية الأغنية ودوى تصفيق بالمطعم.

قالت ديانا أنا راغبة بزيارة الكنيسة حيث يوجد رأس يوحنا المعمدان مدفون فيها. قال مالك صحيح. كانت كنيسة وكاتدرائية للمسيحيين، وعندما فتح خالد بن الوليد دمشق، حول بني أمية الكاتدرائية إلى جامع  بالعصر الأموي، في أوائل القرن الثامن الميلادي، واسموه الجامع الأموي...

في اليوم التالي ذهب مالك والصبايا عبر حارات دمشق القديمة الضيقة بحيث الجيران يتبادلون فناجين القهوة من النوافذ

كانت ديانا تصلي عند ضريح يوحنا المعمدان. انتهز مالك فرصة تواجده في الجامع وركع يصلي... 

سألته ديانا: هل مسعد مسلم؟

قال مالك: لا مسعد مسيحي، اطمئني... 

قالت ديانا: عفواً، أنا لا أنظر إلى دين إنسان، لا يهمني الأمر، الدين لله، وكل واحد منا يجب أن تكون علاقته مباشرة مع خالقه. 

الذي يهم، إنسانية الإنسان، أن يكون الإنسان إنسانا،

الدين هدفه المعاملة الطيبة بين بني البشر.

جميع الأديان تؤمن بآلهة مختلفة، لكن في الحقيقة لا يوجد غير أله واحد خالق الدنيا، نحن من اعطيناه تسميات مختلفة.  

اصر مالك أن ينتقل الصبايا من الفندق إلى دار أهله، وقال  حتى لا يزعل مسعد مني، إن  لم أقم بواجبكما وربما أنا أزوركم يوما في اسبانيا.


إلى اللقاء بالحلقة السادسة


ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا