فإنَّ للعبادة في الإسلام منزلةً رفيعةً، ومكانةً جليلة، تجعل الحديثَ عنها في غاية الأهمِّيَّة، ولا يُستثنى مِن ذلك زمانٌ أو مكانٌ أو إنسانٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾[1]، قال ابن جرير - رحمه الله -: "أي: لعبادتنا والتَّذلُّل لنا"[2].
ولمَّا كانت صُور العبادات وأشكالُها توقيفيَّةً، يُرجع في بيانها إلى الشَّارع الحكيم، احتاج البَشرُ إلى الأنبياء والمرسَلين - عليهم الصَّلاة والسَّلام - الذين يَتلقَّوْن عن الله - سبحانه - أوامرَه ونواهيَه عن طريق الوحي؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾[3]؛ أي: "ولقد بعثنا أيُّها النَّاس في كلِّ أُمَّة سلفتْ قبلكم رسولًا، كما بعثنا فيكم، بأن: اعبدوا الله وحدَه لا شريكَ له، وأفْرِدوا له الطَّاعةَ، وأخلِصوا له العبادةَ"[4].
ويجب على العُلماءِ والدُّعاة إلى الله - تعالى - أن يُبيِّنوا للنَّاس كلَّ ما يتعلَّق بالعبادة، وما يُصلحها مِن شروطٍ وأركان، أو يُفسدها مِن نواقضَ ومُبطلات، فالعلماء هُمْ ورثةُ الأنبياء، وفي الصحيح قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذِ بن جبلٍ - رضي الله عنه -: ((إِنَّكَ تَقْدَمُ على قَوْمٍ أَهْلِ كِتابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إِليه عِبَادَةُ الله، فإِذا عَرَفُوا الله فَأَخْبِرْهُم أَنَّ الله قد فَرضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فإِذا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله فَرضَ عليهم زَكاةً مِنْ أَمْوالِهِمْ، وَتُرَدُّ علَى فُقَرائِهِمْ، فَإِذا أَطاعُوا بِها فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرائِمَ أَمْوالِ النَّاسِ))[5].
والحديث دليلٌ على أهمِّية تعليمِ الفرائض والواجبات الشرعيَّة، مِن العِبادات والأخلاق، بعدَ غَرْس الإيمانِ وتصحيحِه.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق