Flickr Images

Product :

Popular Posts

خواطر

خواطر 

بقلم د.عزمى رمضان 



 وحيدا كان يجلس في ذاك الركن البعيد في هذا المقهى القديم بقدم سنين غربته.. ينفث دخان سيجارته وقد غزى الشيب رأسه ،  وكأن شعره الأبيض يروي حكايا غربته. 

كان يقلب صحيفته بعينين غائرتين تروي تعب السنين

كأنه يبحث عن رائحة الوطن ، عن بقايا خبر ، عن ذكريات تاهت منه في خضم الغربة ومعترك الاغتراب. 

يرتشف قهوته بغصة وهو يرقب من زجاح النافذة تساقط حبات المطر ، وأوراق الشجر التي اصفرت وتكسرت من فعل الأيام. وكأنها تخبره أن الرحيل قد اقترب .

رحل بمخيلته إلى البعيد ، إلى ما وراء الحدود إلى حارته إلى اهلها الى اخوته الذين لا يسألون عنه، إلى زوجته التي انهكها المرض بعد أن أفنت حياتها في رعاية بيتها واولادها ، إلى أولاده الذين تزوجوا وتفرقوا واستقروا كل في بيته ، إلى احفاده الذين لم يرونه ولم يراهم ولم يحضنهم ، رحل بمخيلته كذلك إلى رائحة زهور كان منذ زمن بعيد قد زرعها بيديه. ولزيتونة اصبحت بعمر شعره الأبيض إلى رفاق الصبا الذين رحلوا عن هذه الدنيا وكانوا يقولون له عد كفاك اغتراب. رحل بمخيلته إلى الشوارع وصوت العيد ، إلى كل شيء.  كأنه يستعيد شريط حياته الذي ضاع منه وتاه في الغربة والاغتراب. 

لم يستفق من خيالاته إلا على صوت النادل يخبره إن كان يريد مزيدا من القهوة. 

فنظر اليه بعينين قد إغرورقت بالدموع وقال له :  إن لم تجدني هنا يوما في هذا المكان فابحث عني في منزلي لأنني حينها قد أكون قد فارقت الحياة وحيدا في غربتي كما جئتها وحيدا. فدمعت عينا النادل وقبل رأسه ودعا له بطول العمر. 

   

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا