Flickr Images

Product :

Popular Posts

قانونُ القوميّةِ

قانونُ القوميّةِ

تقولين

د. أسامة مصاروه 





حبيبي أنت تعيشُ في ظروفٍ صعبةٍ قاسيةٍ، وعندما أقولُ أنت أقصدُ أنتمُ الفلسطينيّين سواءً أكنتم تعيشونَ في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّةِ أو في الداخلِ الفلسطيني. وكثيرًا ما أراكَ تخرجُ في مظاهراتٍ احتجاجيّةٍ ضدّ سياساتِ التمييزِ العنصريِّ، وممارساتِ القمعِ الإسرائيلي ضدَّ أشقائك الفلسطينيّين من قتلٍ وسجنٍ وطردٍ وهدمٍ للبيوتِ ومصادرة أراضيكم وإقامةِ المستعمرات عليها، الأمر الذي يذكّرني بما فعلَهُ المستعمرونَ البيضُ بالهنودِ الحمرِ أبناءِ القارّةِ الأمريكيةِ الأصليّين. هل يعرفُ العالمُ أينَ هم يتواجدون وكيف يعيشونَ وما هي ظروفُ حياتِهم؟ أجلْ العالمُ يعرفُ، والمستعمرون البيضُ هم أولُ مَنْ يعرفونَ طبعًا، لكنَّ العالمَ الضعيفَ الفقيرَ خاصةً يخافُ القويَّ الغنيَّ ويخشاهُ، ولا يجرأ على معارضتِهِ ومواجهتِهِ، ولا أقولُ عسكريّا فأنا ضدَّ العنفِ بجميع أشكالِهِ وتعريفاتِهِ ومُبرّراتِهِ. لكنْ هناكَ أجلْ هناكَ وسائلُ أخرى متاحةٌ للتصدّي للقويِّ الظالمِ المستبِدِّ وبشكلٍّ خاصٍ جدًا المستعمرِ.    

لكنْ ليس هذا موضوعَ رسالتي، وأعتذرُ هنا وقد اعتذرتُ من قبلُ مرارًا على ما تحملُهُ رسائلي الأخيرةُ من ألمٍ وحزنٍ وإحباطٍ وخوفٍ على سلامتِكَ. على كلٍّ ما أردتُ الاستفسارَ عنه هو هذا القانونُ المدعوُّ عِندكم بقانونُ القوميّةِ، فما هو هذا القانونُ، وما خطرُهُ عليكم حتى تعارضوهُ؟

أُحِبُّك

أقولُ

حبيبتي رغمَ أنّكِ بعيدةٌ عنا، بالتأكيدِ تعرفينَ الدولةَ الاستعماريةَ الوحيدةَ في العالم. أجل إسرائيل. 

قانونُ القومية يقولُ بأنَّ إسرائيلَ هي دولةٌ لليهودِ فقط، وبما أنَّ الكثيرينَ منهم يمينيّون متطرّفونَ فهم يرفضونَ الاعترافَ بوجودِ الشعبِ الفلسطيني، وبالتالي يرفضونَ الانسحابَ من الأراضي الفلسطينيّةِ المحتلّةِ التي يعتبرونها هي أيضًا جزءً من الأرضِ الموعودة. تفضّلي الآنَ وناقشي اللهَ إذا سبحانَهُ وتعالى فعلًا وعدهم بها. سواءً وعدهم أم لم يعدْهم، ليست هذه هي الإشكاليةِ. الإشكاليّةُ أن القويَّ الظالمُ لا يحتاجُ إلى فرمانٍ إلهي على أهميتهِ بالنسبةِ لدعواهم وادِّعائهم، قوّتُهُ العسكريّةُ حسبَ اعتقادِهم هي الضمان لبقائهم في الوجود وطبعًا دعمُ الصليبيّن لهم، فأنا ما زلتُ أعتقدُ أنَّ الحروبَ الصليبيّةة لم تنتهِ بل اتخذتْ شكلًا ومنحىً آخرين. والضعيف الذليلُ المتشرذِمُ المتقاتلُ المتخاصمُ المعتمدُ على أشقائهِ الأكثرَ ذلةً وهوانًا وضعفًا وفسادًا، والزاحفين على بطونِهم إلى كعبتهم الجديدة إرضاءً لرعاةِ البقر، يستطيعُ هذا أنْ يفعلَ بالعدالةِ مثلما نقولُ بلغتنا العاميّةِ "يِبِلْها وِيِشْربْ ميِّتْها".

أمّا بالنسبة لقانونِ القوميّةِ فسهامُهُ موجهةٌ إلى هُويّتِنا في الداخل الفلسطيني. فالقانونُ يعرِّفُ إسرائيلَ كدولةِ الشعبِ اليهودي، مع أنّني تعلَّمتُ أنَّ اليهوديّةَ ديانةٌ فقط مثلها مثل المسيحيّةِ والإسلامِ أيضًا. هل هناك شعبٌ مسيحيٌّ وشعبٌ إسلاميٌّ في العالم. 

أطلقَ سعد زغلول عبارتَهُ الشهيرةَ "الدينُ للهِ والوطنُ للجميع". أسمعتُم "وطنٌ واحدٌ للجميعِ" مهما اختلفتْ أديانُ مواطنيها، ألوانُهم وثقافاتُهم. ما معنى أن تكونَ إسرائيلُ دولًةً للشعبِ اليهودي؟ وإنْ تواجدت فيها أقليَّةٌ شكَّلتِ الأغلبيّةَ العظمى قبل أنِ ارْتُكبتْ بحقّها مجازرُ يندى لها الجبينُ حتى يتركوا منازلَهم، قُراهمْ أو مدنَهم، وإن لمْ يفعلوا، فالطردُ والتهجيرُ غصبًا وقسرًا هو الحلُّ الطبيعيُ، والقرارُ أصلًا قد اتُّخذَ مسبقًا، فالخطةُ مدروسةٌ وجميعُ البدائلَ موضوعةٌ أيضًا. لكنَّ الذكرى ما زالتْ حيّةً في قلبِ كلِّ من بقيَ حيًا، بل وأورَثَها أبناءَهُ وأحفادَهُ وهكذا دواليك.

أعودُ إلى نفسِ السؤال: ماذا يعني قانونُ القوميةُ بالنسبةِ لهذه الأقليّةِ، التي هيَ فلسطينيّةٌ بطبيعة الحال؟ يعني أنَّ إسرائيلَ دولةٌ لليهودِ حتى ليهود الشتات، أي لهم الحقُّ في الهجرة إلى إسرائيلَ، بينما يُحرمُ الفلسطينيُّ من العودة إلى بيتهِ وبلدهِ وعائلتهِ حتى لو كانت القرابة قرابةً من الدرجة الأولى- جد، جدّة، أب، أم، أخ، أخت، ابن أو ابنة. تصوّري عشراتِ الآلاف من الفلسطينيّين حكمت ما تُسمى بمحكمةِ العدلِ العليا بعودةِ اللاجئينَ الفلسطينيّين الذين طُردوا وهُجِّروا من قراهم وَلَجأوا إلى قرى قريبة، لكنّ حكوماتُ إسرائيلَ رفضت تطبيقَ القرارِ مبقيةً سكانَها لاجئينَ في وطنِهم.

بالإضافة إلى ذلكَ، القرارُ يشير إلى أنَّ إسرائيلَ ليستْ دولةً ديموقراطية، فالقانون الذي يعتبرُها دولةً يهوديَّةً يتعارض مع مفهومِ الديمقراطيَّةِ، إذ لم يذكرِ القانونُ ولو بكلمة واحدة مبدأَ المساواةِ وأهميّةَ الحفاظِ على الديمقراطيَّةِ في إسرائيل، ، حتى أنّ القانونَ ذاتَهُ لم يعرِّف إسرائيلَ بأنَها دولةٌ يهوديّةٌ وديمقراطيَّةٌ في نفس الوقتِ. والجدالُ حول هذا التعريفِ ما زالَ مستمرًا ويدُ اليمينِ المتطرّفِ أيضًا ما زالت هي العليا ليتَها تُشلُّ.

دولةٌ لا تؤمنُ بالمساواةِ وهي الأكثرُ حاجةَ لتؤمنَ بها وبالديموقراطيةِ نظرًا لما عانتْ في الماضي غير البعيدِ ليسّ فقط من تمييز عنصريِّ بلا من قتلٍ وتقتيلٍ. كيفَ أصبحتْ يا ربُّ الضحيةُ جلّادًا وما زالتْ، كيفَ وألفُ كيفَ؟ 

بالإضافةِ إلى ذلكَ يا حبيبتي قانونُ القوميةِ لا يتعهّدُ بأنْ تكونَ إسرائيلُ دولةَ مساواةٍ وديمقراطيّةٍ حتى لليهودِ أنفسِهمْ فما بالُكِ أبناء الأقليّاتِ الذين هم أصلًا سكانُها الأصليّون. طبعًا إسرائيلُ ليستْ الدولةَ الوحيدةَ في العالمِ التي انتهجتْ مثل هذه السياسة العنصريّةِ، سياسةِ الأبرتهايد البغيض، لكنْ كيفَ تفسّرين أنَّ من عانوا من مثلِ هذه السياسةِ على مدار تاريخهم ليس البعيد خاصةً، كيفَ تفسرينَ اعتمادَهم نفسَ السياسةِ تجاهَ الفلسطينيّين - سكانِ البلاد الأصليّين؟  

كما سبق وقلتُ لكِ حبيبتي أنَّ الاستعمارَ الاحتلالَ الوحيدَ في هذا العالمِ هو الاستعمارُ الاحتلالُ الإسرائيليُّ للأراضي الفلسطينيّةِ. أمّا بالنسبةِ للأقليّةِ الفلسطينيةِ، ليسَ لإسرائيلَ دستورٌ أأصلًا، وبما أنَّ الأمر كذلكَ فلا حقوقَ مكتوبةٌ واضحةٌ للأقليّاتِ فيهِ وفيها، تمامًا على نقيضِ تلك الدولِ التي لها دساتيرُ مكتوبةٌ تظهرُ حقوقَ الأقليّاتِ فيها. 

يبدو أنّ في إسرائيلَ القرارَ الذي اتُّخِذَ في الولايات المتّحدةِ الأمريكيّةِ في سنوات الخمسين، والقاضي بأنَّ المختلفَ أو المنفردَ، أيْ ابنَ الأقليةِ لا يمكنُ أن يكونَ متساوي الحقوقِ مع ابن الأغلبيّةِ، طبعًا المقصودُ هنا أنَّ الأسودَ لا يُمكنُ أن يتساوى بالحقوقِ مع الأبيضِ. تُرى هل نسيتِ ما كان يُكْتبُ على مداخلَ المطاعمَ على سبيل المثالِ. أجلْ صدقتِ: "ممنوعٌ دخولُ السودِ والكلابِ". كلامُكِ سليمٌ أيضًا في المانيا النازيّةِ كانتْ تُعلّقُ يافطاتٌ بهذه الروحِ القذرةِ. 

أعودُ الأنَ ثانيةً لقانونِ القوميّةِ وهو الأكثرُ خطرًا علينا والأشدُّ إجرامًا، حقدًا، غِلًا، ظُلمًا، كراهيةً وعنصُرّيةً.

كانتِ اللغةُ العربيّةُ لغةَ فلسطينَ الرسميةَ، وبعد قيامِ دولةِ إسرائيلَ أصبحتِ اللغةُ العبريةُّ لغةَ البلادِ أمّا اللغةُ العربيّةُ فأصبحتْ لغةً رسميّةً. قانونُ القوميّة هذا الذي تتقنّعُ خلفَهُ نوايا قذرةٌ حاقِدةٌ ونفوسٌ شريرةٌ شيطانيّةٌ يُسيِّرها الطاغوتُ، يسقطُ عنها الصفةَ الرسميةَ. ما معنى ذلك؟ أيْ يمنعُ استخدامُها في أيّة مؤسّسةٍ حكوميّةٍ، بمعنى أنَّ علينا أن نتعلّمَ ونقرأ فقط اللغةَ العبريّة. نعم صدقتِ أيضًا هنا، تمامًا كما قلتِ هو نفسُ ما حصَل في الجزائرِ بما يتعلَّقُ باللغةِ الفرنسيّةِ. ألمْ يعتقدوا أنَّ الجزائرَ جزءٌ من فرنسا، وبناءً عليه يجبُ أنْ تكونَ اللغةُ الفرنسيّةُ لغةَ البلادِ الأولى. أيْ لا حاجة للغةِ العربيّة، ومن ثمَّ لا حاجةَ للثقافةِ العربيّةِ، ومن ثمَّ يُقْطعُ كلُّ حبْلٍ يربطُ الجزائريّين بتاريخِهم وحضارِتِهم العربيّةِ والإسلاميةٍ، وبالتالي يفقدون هويّتَهم القوميّةَ فيعودونَ كما كانَ العربُ في الجاهليةِ قبائلَ متفرِّقةً متناثرةً ومتقاتلةً متناحِرةً.

بدأتْ عمليةُ محوِنا من التاريخِ في الحقيقةِ منذ قيامِ إسرائيلَ، وليسَ هذا فقط وإنّما فكرةُ محوِنا من على الأرضِ، لا أقصِدُ محوَنا جسديًا وإنَما إخلاءَها تفريغَها منا بارتكابِ مجزرةٍ هنا ومذبحةٍ هناك، أو نقْلِنا قسرًا وغصبًا في شاحناتٍ عسكريّةٍ وقذفِنا فيما وراء الحدود.

بعدَ أنْ فشِلتْ جميعُ محاولاتهم للتخلّصِ منا، لا تنسيْ ادِّعاءَ بعضِ زعمائِهم أنّ فلسطينَ أرضٌ بلا شعبٍ واليهودَ شعبٌ بلا أرضٍ، مقولةٌ أدّتْ بالنهايةِ لإقامةِ دولةِ إسرائيلَ. وعلى حدِّ اعتقادِ غالبيّتِهِم الساحقةِ لهذه اللحظةِ لسنا بشعبٍ، ربّما نولدُ وقبَّعةُ الإخفاءِ على رؤوسِنا. 

والأنَ تُشنُّ المعركةُ بعدَ فشل مخططِ محوِنا جسديًا إلى محوِ لغتِنا، أيْ كما قلتُ لك سابقًا محوِنا تاريخيًا، ثقافيًا، حضاريًا. هذه هي المؤامرةُ بوساخةِ وقذارةِ نوايا مُدبِّريها الشيطانيّةِ. طبًعًا ستفشلُ مثلما فشلتْ جميعُ مؤامراتِهم السابقةِ. 

معْ ذلكَ ورغمَ ذلكَ هناك للأسف الشديدِ من يجهلونَ، أو يتجاهلونَ لأسبابٍ ماديّةٍ أو لمصالحَ شخصيّةٍ ضيّقةٍ وغير مُهينةٍ لمن لا كرامةَ لهُ، هناكَ من يقعونَ فريسةً في شباكِهمْ فنجدهم يضعون لافتاتٍ بالعبريّة وحتى بالإنجليزية وكأنَّ السواحَ الأجانبَ يهرعون بآلافهم إلى قرانا الفلسطينيّة، والأنكى من ذلكَ أنَّ نسبةً لا بأسَ بها من لغة حديثِ معظمِنا سواءً أجلسنا في مقاهٍ، نوادٍ، متنزّهاتٍ وحتى في بيوتنا، هي باللغة العبريّة. فهل تحتاجُ حكومةُ إسرائيلَ لسنِّ قانونِ القوميّة ونحنُ نطبقُهُ بجهلِنا وغبائِنا الشديديْنِ، بلْ لشعورِنا بالنقصِ كما يحدثُ للكثيرين منا في البلادٍ عربيةٍ، فيظنّون أنّهم بإقحامِ بعض الكلماتِ الأجنبيَّة في حديثِهم، إنّما يوهمونَ الناس بمستواهم الثقافي والثقافةُ منهم براءٌ.

معذرةً حبيبتي لقد أطلْتُ عليكِ ولعلّني صدّعتُ رأسَك أكثرَ ممّا يجبُ.


ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مجلة النجوم
تصميم : يعقوب رضا